التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

حب التملك - عواقب الطمع والجشع الكارثية_ أيوب الوكيلي

الطمع القاتل الصامت

تمكن الإنسان من خلال تطوره المستمر، من تحسين نمط عيشه وثقافته  من خلال مبدأ التعقل والقدرة على التحكم في العالم من فهم قوانين الطبيعة والسيطرة عليها،  وقد كان هذا هو الشعار الذي نادى به الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت "السيطرة على الطبيعة" عبر معرفة القوانين والنظم والمبادئ الرياضية والفزيائية التي تحكم العالم، لكن هذا المنطلق سرعان ما أخد بعدا مخالفا لما جاء من أجله إذ أصبح الانسان خاضع للطبيعة وأحكامها، وذلك نتيجة لطفرة التطورية لهذا الكائن الأناني المحب لنفسه والذي يطمع في تحقيق أرباح ونتائج لامتناهية خصوصا بعد عصر العولمة الاقتصادية وإحكام النمط الذي سيطر على انسان القرن الواحد العشرين.

سيكولوجية الجشع

بالعودة إلى النموذج الأصيل في التجربة الإنسانية فإن جميع البشر كانوا يعيشون في سلام واستقرار، بيد أن تدخل الطمع البشري عندما حازا شيئا خاصا وقال هذا ملكي، تشكلت الملكية الفردية، حيث انقسم المجتمع إلى من يملك ومن لا يملك (كارل ماركس).

 هذا المنظور يفسر الجشع الذي نعاني منه اليوم داخل النظام الرأسمالي الذي يحول الجميع إلى مجرد مستهلكين، ذلك الأمر سيكون له عواقب وخيمة حتى على المستوى النفسي واجتماعي، نحن إزاء مفارقة كبرى داخل النموذج الحالي، فلو أقمنا مقارنة بسيطة بين التقدم الكمي والكيفي الذي نعيشه في المجتمع، يظهر لنا بشكل واضح أن التقدم الكمي بسط هيمنته مما انعكس سلبا داخل المجتمع، بسبب تزايد نسب الفقر والأمية والأمراض وتقلص مجال الحريات الانسانية.

    الشيء الذي يطرح مجموعة من رهانات وإشكاليات متعدد ومتنوعة: ما هو الطمع؟  هل الإنسان ميال بطبعه الغريزي إلى الأنانية وحب الذات أم أن الأمر جاء نتيجة النمط الثقافي الذي نعيش فيه؟ هل هناك أصول نفسية للطريقة التي يتشكل بها الطمع في النفس الانسانية؟ وكيف تلعب الأنماط السياسية والاقتصادية دورا أساسيا في تزايد نسبة الطمع والجشع؟ بأي معنى يمكننا القول إننا نعيش في مجتمع يسوده الطمع؟ اليس هناك تحولات كبرى مست التطور البشري أخلاقيا وسياسيا؟ وماهي أهم الحلول التي يمكن ان تساهم في التخلص من هذا الوضع المتأزم؟

سيكولوجية الجشع:

    البداية الأساسية التي ننطلق منها لرصد هذا الموضوع تتمظهر في الجانب النفسي، عبر فهم الدوافع الأساسية المحفز لهذا الجانب العميق في النفس الانسانية، لعل من العوامل الأساسية التي تدفع الناس إلى الطمع مقارنة الذات مع الأخرين، لأن الناس الميالين للجشع لا يحسون بالخوف وتأنيب الضمير، ذلك ما يجعلهم يغامرون من أجل تحصيل مال أكثر من السابق، من هذا المنطلق قد يكون الطمع من العوامل التي تطورت مع الانسان بشكل مختلف عن الأنواع الأخرى.

    الجشع هو درجة متقدمة من الطمع يبدأ فيها الفرد بتكديس أموال أو أشياء ثمينة لا يحتاجها ولا يمكن أن يحتاجها أو يستهلكها يوماً، والجشع قد يستخدم كافة الأساليب المشروعة وغير المشروعة لجمع المال ولو تطلب ذلك الإضرار بالمجتمع.

     والجشع سلوك إنساني كأي سلوك آخر له أسس نفسية تقبع في نفسية صاحبه وقد تتخذ شكلاً مرضياً لا يدرك صاحبه أنه مصاب به. ويتطور هذا المرض للتطرف في لاستحواذ وبأي شكل وباستخدام القوة القاتلة أو الجريمة البشعة، وقد شبه عالم النفس الألماني الشهير أريك فروم الجشع "بالحفرة التي لا قاع لها، يحاول صاحبها ملئها ليشعر بالرضى والإشباع فلا تمتلئ فيستحوذ على عقله ووجدانه الاستمرار بالردم مع استحالة الإحساس بالإشباع."

    وقد لفتت ظاهرة الجشع نظر كثير من علماء النفس والمحللين النفسيين، فهناك شبه إجماع على أنها سلوك مرضي غير سوي. وأول جانب نفسي مرضي مرتبط بالجشع هو ظاهرة الإدمان على التسوق والتكديس، إضافة انتشار ثقافة اللامبالاة بالأخرين، وهذا نوع من الانفصام الوجداني عن المجتمع مما يسبب عدم الاكتراث بما يحل به.

    ومن جهة أخرى يشجع ثقافة النرجسية والإحساس بالعظمة والإعجاب بالنفس، وهنا لا يرى الفرد أي حرج في تأثير سلوكه الفردي على الناس من حوله من جراء تصرفه، بل يكسبه ذلك مزيداً من الإعجاب بنفسه وربما شعر صاحبه بسعادة أكبر كلما أحس أن الناس يفتقرون لما يملك.

    لكن بعض علماء يقرنون بأن الطمع يرتبط أيضا بالنمط الاقتصادي والسياسي الذي يغرس فينا الإحساس بالإحباط كلما تقلصت نسبة الاستهلاك ازداد إحساسنا بالنقص والتوتر لهذا أصبح البشر أكثر استهلاكا من أجل اشباع بغض الدوافع النفسية الخفية.

    مثلا التسوق بشكل مفرط يعكس تصور للعام يتجلى في المظاهر باعتبارها المرآة التي نرى من خلالها أفراد المجتمع، غير أن هذا السلوك سيزيد من سطحية الإنسان وغبائه، لكن هل فعلا عندما نستهلك أكثر نحقق السعادة؟ طبعا في حقيقة الأمر لن يتحقق ذلك لأنه كلما نستهلك نقلص من الجانب الفكري ونركز على الجانب الغريزي الشهواني في النفس الشيء الذي يعزز حالة البلادة والإفراط في طلب الملذات

    لأن معظم الشركات الكبرى ترى في المواطنين مجرد حيوانات استهلاكية، تسعى إلى يتم جني الأرباح من وراءها بينما يغفلون الجوانب الإنساني العميق في الذات، لأنه كلما تضخم مفهوم الأنا لدى الأفراد، ازدادت معاناة البشرية بسبب الخوف من الزوال وذلك ما يدفع الأفراد إلى الاستهلاك أكثر.

الطمع – عواقب كارثية:

    إننا نخوض غمار حرب جديدة نصنعها بأيدنا نتيجة للنمط الاقتصادي الذي احتوى كل امكاناتنا ولم تعد لنا السلطة والقدرة للخروج من هذا الوضع، خصوصا حين تطورت الملصقات والإعلانات الخادع والكاذبة على شاشات التلفاز وفي الصحف ومجمل وسائل الإعلام. إنه تحالف من أجل الارتماء نحو الفناء، حيث أصبح الناس لا يلقون بالا نحو ما سيحصل في الغد المهم بالنسبة لهم الحياة اللحظية.

ومن ضمن السياسات الأساسية في الاستهلاك إقناع المشترين أن وجودهم وسعادتهم تتوقف عند شراء هذه المنتوجات، لن يحققوا السعادة إلا من خلال الاستهلاك، هاته النظرة التشيئية للقيمة البشرية تجعلهم يحولون البشر إلى مجرد فئران تجارب تحقيقا لربح أكبر ومردودية أحس. مما يجعل الرغبة المفرط في الامتلاك قضية نفسية تتطلب بحثا دؤوبا من أجل الإفصاح عنها ومعرفة الأسباب العميقة في النفس الإنسانية التي تسلبه قدرته الإرادية في الاختيار والمسؤولية.

كوجيتو الاستهلاك: "أنا أستهلك إذن أنا موجود"

 يمكن القول إن مضمون هذا الكلام حاضر في بعض كتابات المدرسة النقدية، مثل مفهوم الاستلاب الذي لعبا دورا استنفاريا من أجل مراجعة هذه الأنماط الثقافية الاستهلاكية التي نعيشها، أصبح شعار العصر هو الاستهلاك، حيث يقول الفيلسوف الألماني ماركيز في كتابه الانسان ذو البعد الواحد،" أنا استهلك إذ أنا موجود " هذا هو الشعار الذي يسعى معظم المقاولين وأرباب العمل إلى إقناعنا به.

فالملاحظة المباشر للأنماط الحياتية التي تسود في العصر الحالي تؤكد على هذا النموذج الاستهلاكي، قد لا نستثني كذلك النشاط الثقافي والفكري الذي أصبح مبتذلا يركز على الربح وفقط لا يسعى سوى إلى تحقيق أكثر الأنشطة والأعمال مبيعا، يعجز اللسان عن وصف هاته الحالة اللاعقلانية التي تسود العالم في الآونة الخيرة، كأننا مقبلون على حرب عالمية ثالثة لم نفهم درس التاريخ، أو كما قال هيجل "تعلمنا من التاريخ أنه لا احد يتعلم من درس التاريخ"   بمجرد النظر في التجربة الإنسانية على مر العصور والأزمة ندرك أن الطمع يقود إلى  تخلف الأمم وتراجعها.

منه يمكن القول إن الذين يسيرون العالم ليسوا السياسيين إنما رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات، لذا فإن هذا الكم من العبث واللامنطق الذي نلحظ أنه يسود العالم رغم كل التقدم التقني، نجد له جدور في المطع والجشع في جمع الأموال وتكديسها من طرف الشركات حتى ولو كان ذلك على حساب القيم الانسانية وبشكل يناقض مع حقوق الإنسان وشروط الكرامة الإنسانية.

إذن العالم الذي نقطنه يعج بالهشاشة والفقر والعذاب وغياب الحرية، اليس للمال دور في هذا والوضع كما تقول الاسطورة اليونانية عندما طلب زيوس أن يملك القدرة على تحويل كل الأشياء إلى ذهب، فقد كاد أن يهلك من الجوع لأن حتى الأكل الذي يسد رمقه سرعان ما يتحول إلى ذهب، تعكس هذه الاسطورة شجع التجربة الإنسانية ومحدوديتها وضعفها في مواجهة المتغيرات التي نعيشها.

الطمع مرض العصر!

ومن خلال المنظور النفسي قد ندرك العوامل الحقيقة التي تسهم في تشكل الحروب وقيام الصراع بين المجتمعات نجد له تفسيرا ودلالة في هاته الحالة التي تستهوي الانسان بالامتلاك كل الاشياء والرغبة في تحصيلها والسيطرة عليها، الحرب أصلها ناشب عن الرغبة المفرط في الامتلاك والسيطرة، كلما تقوت الحضارة وازداد نفوذها وسيطرة واحكاما وسلطة تخضع الجميع فإن الشرط الاساسي لتحقق هاته المسالة يرتبط بمدى قدرتها على الاستعباد واخضاع الناس لنفوذها وهيمنتها.

علينا أن ندرك الغاية من هذا الوجود، حتى نفهم معنى الحياة لأن كل منا سيلحقه الموت في للحظة معينة ولن يأخذ كل ما راكمه من أموال وموارد،  سرعان ما نفقد أدميتنا وهويتنا البشرية مع الزمن بسبب الغلو الذي يطفوا على الأنظمة الرأسمالية المتوحشة التي تمنعنا وتحجب عنا رؤية العالم بمنظورات جديد إذ أن الكل يدعونا إلى الدفع، كما قال الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط الكل يقول لك ادفع وآمن واخضع لكن هناك قوة وحيدة توجهك صوب الإنجاز والايمان بالعقل والتفكير بطريقة حر مستقلة، تتجلى في التفكير الحر المستقل عن كل القيود والحدود.

وهذا المنطلق يقدم تفسيرا موضوعيا لأهم التحولات الكبرى في تاريخ البشرية إذ كلما خرج الإنسانية من بربرتيه و وحشيته استطاع التقدم والتحسن، وتجاوز حالة العبث والصراع، ففرضية حالة الطبيعة التي قدمها فلاسفة العقد الاجتماعي خير دليل على هاته المسألة، تصور ينم عن اعتقاد  في أن الأصل في الطبيعة الإنسانية هو الشر باعتباره الحالة الأولى التي ساد فيها الصراع بين بني البشر، القوي يأكل الضعيف ذلك هو شعار اللحظة التاريخية لكن سرعان ما استطاع الإنسان استخدام عقله بأسلوب سليم، الشيء فرض عليه مراجعة الأوراق والنظر إلى العواقب التي قد تحدثها حالة الصراع الدائم الغير منقطع، من افناء وانهاء لنوع البشري. إذن هذه إشارة قوية على أن استخدام الانسان للعقل هو الذي ساهم في انخفاض وثيرت الجشع والطمع المفرط في امتلاك الأشياء والحاجات.

 

عن الكاتب

ayoub loukili
';
';

اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات