المحور الثالث: دور الإنسان في التاريخ
إشكالية المحور:
ما قصة
الإنسان مع التاريخ؟ أيهما يصنع الآخر؟ هل
الإنسان الفاعل الذي ينتج الحضارة والثقافة أم هو نتاج لصيرورة مغلقة ومطلقة لا
فكاك له من نمطيتها؟ وليس له إلا التكيف معها بكل اغتراب واستلاب؟ هل تسير الأحداث التاريخية وفق نظام ومنطق محدد، أم أنها نتاج الصدفة والعرضية؟
وأي دور للإنسان في التاريخ؟ هل هو خاضع للضرورة ولمنطق التاريخ الذي يتجاوزه، أم أنه
صانع للتاريخ وفاعل فيه؟
لوي ألتوسير: التاريخ سيرورة دون ذات فاعلة
يقدم لوي
ألتوسير موقف هيجل من التاريخ فهو في نظره عملية اغتراب واستلاب في خط مستقيم
وليست لها أية غاية خارجة عن ذاتها ولا يحركها الإنسان، إن التاريخ يتجاوز الكائن
البشري، هذا الأخير الذي لا يتجاوز أن يكون مجرد وسيلة لتحقيق غائية تاريخية تسلبه
إرادته وحريته الذاتية، لہذا فالتاريخ سيرورة اغتراب دون ذات فاعلة.
وهذا هو ما يتعين أن نسميه مكر التاريخ: "فالعقل
يترك الأهواء تتصرف مكانه، والوسيلة الوحيدة التي يتوصل بواسطتها العقل إلى أن
يوجد تتم عبر المحن وآلام الخاص (الأهواء)، إذ أن تلك الظاهرة يكون جزء منها سلبيا
والآخر إيجابيا." التاريخ إذن
يسير وفق منطقه الخاص لا وفق منطق الأفراد، لأن الإنسان ليس سوى وسيلة في يد
التاريخ، فمكر هذا الأخير يجعل الإنسان يعتقد أنه صانع التاريخ ومحركه، غير أنه لا
ينفذ سوى إرادة التاريخ وفق مسار الروح المطلق.
لأن البنيات هي
التي تحرك الناس وتصنع أدوارهم وتفسر سلوكاتهم. يقول ألتوسير: «إن التاريخ ينظر
إليه بما هو سيرورة اغتراب بدون ذات فاعلة، أو بما هو سيرورة جدلية ممل من كل
ذات».
جون بول سارتر: الإنسان هو صانع التاريخ
على خلاف موقف ألتوسير ترى الفلسفة الماركسية أن الإنسان هو «نتاج نتاجه
الخاص» بمعنی أنه إذا كانت البنية الإنتاجية «أدوات، أنماط، علاقات» هي التي تصنع
الإنسان فإن الإنسان هو الذي يصنع هذه البنية، أي أنه يفعل في التاريخ وإن كان
منفعلا به في نفس الوقت، لأن الماركسية في نظر "سارتر" محاولة
هائلة "من أجل صنع التاريخ وتملكه عمليا ونظريا عن طريق توحيد الحركة
العمالية".
ومحاولة "سارتر" هذه ما هي إلا وسيلة
لإخصاب الماركسية وإعادة الروح لها، فالماركسية لا تقوم على مفهوم الفرد، بل على
مفهوم الطبقة. فإذا تم تطعيم الماركسية بالوجودية، فإنها توصلنا إلى كيفية نشوء
الطبقة، حيث يقول يقول انجلس: «إن البشر يصنعون تاريخهم على أساس
الشروط المادية والواقعية السابقة». وبناء عليه يرى سارتر أن البشر هم الذين
يصنعون تاريخهم بفعلهم وإرادتهم ووعيهم وليسوا مجرد وساطات حاملة لقوى لا إنسانية،
لكن هذا لا يعني تغييب الشروط الواقعية والمادية السابقة، وإنما يعني أن للناس
القدرة على تسخير هذه الشروط وتوظيفها أو تجاوزها.
الإنسان إذن حسب "سارتر" هو صانع
التاريخ، وذلك متى تمكن من الوعي بشروط هذه الصناعة التي أساسها الحرية والوعي
بالممكنات التي يتيحها حقل الممكنات، يعني في حدود إمكانياته، فالنشاط الإنساني
منظورا إليه من الداخل ومن الخارج على السواء يتبين أنه أداة العملية التاريخية، ليخلص سارتر
إلى قوله: «الإنسان يصنع التاريخ».
تركيب:
نستنتج من
الموقفين السابقين أن علاقة الإنسان بالتاريخ علاقة معقدة، فحتى على المستوى النظري
تمثل عويصة يستحيل معها تقديم جواب سريع أو حاسم. فمن جهة يخضع الناس إلى الشروط
الموضوعية التي يستحيل الانفصال عنها ومن جهة أخرى لا تمثل هذه الشروط سوى تجسيدا
لفعل الانسان في التاريخ. والواقع أن الإنسان يصنع التاريخ إذ يصنعه التاريخ، يخضع
الناس لظروف الحياة لكنهم يمتلكون القدرة على تغييرها. وبهذا الصدد يقول بول
ريكور: «التاريخ يصنع المؤرخ مثلما أن المؤرخ يصنع التاريخ».