الجزء الثاني: الألعاب النفسية
يحاول الكاتب في هذه الفصل الحديث عن بعض الأساليب الغير
السوية في التعامل، تحصل نتيجة جملة من الاضطرابات النفسية التي تولد استجابات غير
متوافقة تسمى الألعاب النفسية.
ماهي الألعاب
النفسية؟
هذه الحلقة هي شرح لأهم ملامح نظرية تحليل المعاملات:
تعريف الألعاب النفسية:
اللعبة هي سلسلة من التنبيهات والاستجابات التي قد تقود
إلى فشل في علاقة أو مشكل في التواصل مع الأخرين، كل الألعاب تجد مصدرها في مرحلة
الطفولة حينما كنا نلعب ونقول لشخص ما إن ما لدي أفضل مما لديك هذه الطريقة تعتبر
أسلوب فعال نمضي من خلاله الوقت في الحياة اليومية من خلال جملة من المواقف
المتكرر والمتغيرة.
كيف تنشأ الألعاب
على المستوى النفسي والعاطفي؟
وحدت المعاملات تختلف حسب السياق الاجتماعي، كل واحد منا
يحرك جسده بطريقة معينة، تختلف حسب الموقف الذي يتم معالجته، مثلا المدير الذي
يتعامل مع زملائه في الشركة يكون لديه وحدة خطاب معينة لكن عندما يتوجه إلى صديق
في المنزل أو المقهى تتغير وحدة المعاملات حسب السياق النفسي والاجتماعي.
إذن توجد مجموعة من الاستجابات الخفية في كل لعبة تحتاج
إلى معرفة السلسلة الموجودة من التنبيهات والاستجابات وهي ليست مسألة بسيطة، بل
إنها ألعاب قد تكون مدمرة على مستوى الشخصية الإنسانية لهذا نحن في حاجة إلى معرفة
الدوافع التي تقودنا إلى هذا النوع من الالعاب ومعرفة الدوافع الخفية لكل لعبة حتى
نستطيع التخلص منها مستقبلا.
يقدم الكتاب في هذا الفصل مجموعة من الألعاب النفسية
التي تحصل داخل عملية التواصل، والتي طورها المحلل النفسي الأمريكي إريك بيرن من
خلال نظريته في تحليل المعاملات. وقد حاول تقديم مجموعة من الألعاب التي ترتبط
بالثقافة العربية والشرقية، لأن هذه الألعاب ترتبط بالمحيط الثقافي والاجتماعي
والطريقة التي نتعامل بها مع حاجاتنا ورغباتنا النفسية والعاطفية والوجدانية:
لعبة ليس لها حل: لماذا لا تفعل نعم ولكن؟
شخص سلبي
يشتكي على شخص أو جماعة هنا ليس هناك مشكلة لأنه يطلب التعاطف والمساعدة النفسية
والعاطفية، لكن عندما تلبس الدور وتبدأ في مساعدته يعود مرة أخرى إلى بداية
اللعبة، عندما تبدأ في تقديم الحلول والاقتراحات يصد الباب أمامك حيث أنك كلما
قدمت له إقتراح يقول نعم ولكن ويبدأ في استحضار المبررات التي تمنعه من القيام
بذلك الأمر الذي تطلبه منه، حيث يلعب دور
الضحية الطفل، وأنت الذي تحاوره تلعب دور المنقذ حالة الوالدية.
الطفل الداخلي يقول أنا في حاجة إلى المساعدة لكن كنت فين زمان، إذن الممارس لهذه اللعبة يحس ببعض المشاعر النفسية التي تحبط شخصيته وتمنعه من النمو والتقدم العاطفي والوجداني، إذن هنا المساعدة التي يمكن أن تقدمه أن تلتقط طرف الخيط في هذه اللعبة حتى ندرك طبيعة اللعبة وكيف نتحكم فيها عاطفيا ووجدانيا.
لعبة القرب والبعد:
تمارس هذه
اللعبة في العلاقات الحميمة، حيث يقترب منك الطرف الثاني، ويحاول التودد إليك
وتكون قريب منه لكنه سرعان ما يعود إلى الفراق ويريد ابتعاد عنك من خلال مجموعة من
الخطوات التي تمنع من الوصال والقرب.
بمجرد أنك
تعتقد أنه ابتعد يعود إليك ويريد قربك وودك وحبك عندما تحس معه بالأمان يعود إلى
حالة الأولى ويبتعد ويتركك إلى حالك خصوصا بين المقبلين على الزواج.
هذا الأمر
يدمر الطرف الثاني ويحرمه من فهم طبيعة العلاقة، إلى درجة يشك في نفسه هل تصرفاته
خاطئة أو أنه يغضب الطرف الثاني بطريقة لا يعرف سببها؟
لكن من جهة
أخرى ممارس لهذه اللعبة يطلب الحنان والتعاطف لأنه مر بتجربة نفسية في مرحلة
الطفولة جعلته يحس بالفقدان الأم أو الأب أو أحد الأشخاص المقربين. الشيء الذي يجعله في حالة نفسية متناقض مرة يريد التقرب
وطلب الحب من الطرف الثاني، لكن سرعان ما تدخله حالة الخوف والقلق ويريد الابتعاد
عن العلاقات بأسلوب أخر مختلف عن الأول.
لعبة الحب مستحيل:
شخصين يريدان
الزواج لكن هما يعتقدان أن هذا الزواج مستحيل نظرا لطبيعة الظروف الاجتماعية أو
المالية، لكن رغم ذلك يبقيان على ارتباط اعتقاد منهما أنه سوف تأتي الفرصة
المناسبة من أجل بناء علاقة ناجحة.
لكن أين توجد
اللعبة هنا: طبعا على المستوى الظاهر هما يريدان بعضهما البعض لكن على المستوى
الخفي الغير واعي هما لا يريدان الزواج.
سوف أعطي مثال
توضيحي، مثلا امرأة تعرضت للحرمان في مرحلة الطفولة وترسخت لديها قيم عاطفية
ووجدانية، لا شعورية: لا تريد الزواج بسبب المشاكل التي كانت تراها بين أمها
وأبيها وغيرها من الأسباب الخفية، لكن
على المستوى الوعي أشياء مختبأ في العقل الباطن.
إذن ماهي
الطريقة الذكية من أجل الحفاظ على رغبتها بشكل ذكي إنها تختار أن تحب شخص متزوج
ولديه أولاد، صديق عمل، أو شخص عقيم، أو شخص ليس لديه إمكانات مادية أو شخص أصغر
منها كثير....
بهذه الطريقة
ترضي ضميرها الواعي الذي يريد الزواج، لكنها تضع هذه العوائق من أجل عدم الزواج،
كما يقول المثل المغربي عني فيه ويخ من.
مثل رجل لديه
أعراض فوبيا من الزواج فيقرر عقله الباطن عدم الزواج، لذلك يبحث عن مبررات خارجية
وهمية من أجل إقناع نفسه بالمماطلة في هذا الأمر. إذن يجب أن نكون واضحين مع أنفسنا حتى نفهم
بعمق الطريقة التي تدفعنا إلى رؤية هذه المعطيات بهذا الأسلوب الغير واعي الذي ينم
على حالة الطفل الذي لا يريد تحمل مسؤولية أفعاله وتصرفاته النفسية.
لعبة أمل حياتي:
الأمل شعور
إنساني جميل ومطلوب أن نتحلى به في التعامل والحياة لكن عندما يتحول هذا الأمل إلى
وهم وعجز يصبح لعبة نفسية مدمرة للكثير من العواطف التي نمر بها في الحياة النفسية
والعاطفية.
في بعض
الأحيان يكون الأمل مجرد وهم يدور في عقولنا لكن في حقيقة الأمر توجد عوامل مختلفة
تساعد في تعزيز هذا الجانب بطريقة غير واعية مما يؤثر سلبا على شخصيته ويجعله شخصا
غير قادر على التغيير نحو الطريق الذي يريد تحقيقه على المستوى النفسي والعاطفي.
لعبة أنا المسؤول
هذه اللعبة
تحصل بين الأزواج الفكرة الرئيسية لهذه اللعبة ترتبط بالتحكم من يتحكم في الأخر ومن
عنده الكلمة الأخيرة، السلطة الافتراضية داخل مؤسسة الزواج، من لديه الحق أن يتحكم
في الطرف الثاني أثناء الحوار أو ما يسمى بالهيمنة النفسية في عملية التواصل.
هذه اللعبة
تمارس بشكل يومي بين الأستاذ والتلاميذ بين الأزواج ولها مخاطر كبيرة على عملية
التواصل والحوار على المستوى العاطفي والوجداني.
حتى عندما
ندخل في علاقة حميمة نبدأ في النظر من يتحكم في الأخر الشيء الذي يؤثر سلبا على
شخصياتنا ويمنعنا من النظر بعمق للطبيعة الزواج، ليس هدفه التحكم في بعضنا البعض
إنما الهدف من الزواج إقامة علاقة عاطفية أخلاقية مبدؤها المودة والحب والإحساس
بالأخر والطبطبة عليه هذه هي الغاية الأساسية من الزواج وليس فقط إرضاء الغرائز
البيولوجية إنما نحتاج إلى شخص نأنس به يقدرنا ويحس بنا ويتقاسم معنا الأفراح
والأحزان...
لعبة الشخص الخدوم:
يساعد الناس
ماديا ويعطي بدون حساب، المرأة تقوم بعملها بشكل مخلص في المنزل، شخص يزور دائما
العائلة وغيرها من الحالات التي يعم فيها العطاء لكن أين المشكلة، التحدي يوجد
عندما يتحول هذا العمل إلى نوع من اللعبة من خلال إشعار الأخرين بالذنب، لأنهم لا
يهتمون به رغم أنه يعمل ما فوسعه من أجل إرضائهم، هنا تأتي حالة الطفل الذي يقول أنا
لست على ما يرام أعمل بجد وأساعد ولا أحد يحس بالمجهود الذي أقوم به إنه يريد
الطبطبة والحنان العائلي والأسري على المستوى العاطفي والوجداني.
لعبة أنا مقلق مع راسي: الترجمة المغربية
هذه اللعبة يلعبها
الأزواج كثيرا، إذا لعبتها المرأة تبدأ في تحسيس زوجها بأنها غضبانة، لكن بدون أن
تعطي مبرر لذلك الزعل أو الغضب الذي يوجد بداخلها، لأنها لا تستطيع التعبير عن
مشاعرها وتجعلها مكبوتة مع نفسها، غير أنه إذا كنا صرحاء يمكننا أن نعالج هذا
النوع من الألعاب بطريقة جديدة وسلسة.
هذه اللعبة
يمارسها الرجل حينما يقول أنا أريد أن أبقى وحدي لا أريد أن يدخل علي أحد للغرفة،
المشكلة أن الطريقة التي تفكر بها النساء مختلفة لأنها تتقاسم مع الرجل مشاعرها
وما يحصل لها على المستوى النفسي، لكن إذا طلب الرجل العزلة تبدأ في السؤال أين
المشكل هل سببت لك شيئا؟هنا الرجل
يفقد صبره وقد يبدأ في الصراخ أو الضرب وغيرها من الأساليب التي ينفس بها عن غضبه.
لماذا نلعب هذه اللعبة بسبب عدم القدرة على التصريح بالمشاعر التي نكنها في أنفسنا
لطرف الأخر هذا الأمر يولد الكثير من الوسوسة والصراعات العاطفية والوجدانية بين
الأطراف أثناء الحوار.
المشكل أن
الممارس لهذه اللعبة يقول أنا أحتاج إلى الحنان والطبطبة وأريد أن يساعدني أحد في
الوصول إلى هذا الأمر مما يعني أنه يلبس حالة الطفل الذي تعتني به أمه بدون تصريح
لا يقول لذلك لأنها تحس باحتياجاته.
لكن عندما
نكبر لا يمكن لجميع الناس أن يحسوا باحتياجاتنا لهذا يجب أن نكبر على المستوى
العاطفي والوجداني ونصرح بالحالة النفسية التي نمر بها إذا كانت حالة غضب أو فرح
أو أي شيء لا يعجنا، يجب التصريح بها، لأنه عندما نعبر تخرج الرسائل الواضحة ولا
نبقى قيد التأويلات السلبية التي تدمر علاقاتنا.
لعبة أنا سوف أتغير من اليوم:
بعض النساء
يهددون من أزواجهم بالضرب والعنف والاهانة وتصبر المرأة من أجل أبنائها لكن، سرعان
ما يفيض كيلها وتحس بأنها غير قادرة على الصبر وتريد الطلاق لأنها لا تحتاج إلى
هذا الرجل الذي يهين كرامتها ويحرمها من المعاملة الجيدة، سرعان ما تقرر قول كلمة
لا بفم ملء، وتقبل التضحية بكل شيء في سبيل الحفاظ على كرامتها.
لكن هنا يحس الزوج بجدية الموقف فيبدأ في لعب
لعبة أنا سوف اتغير وأتعامل بشكل جيد، لكن هذا الأمر لا يكون حقيقيا، إنما يوهم
نفسه ويوهمها بذلك حتى يفتر غضبها وأعصابها وتهدأ قليلا ثم بعد ذلك يعود إلى حالته
النفسية والعصبية القديمة، بهذه الطريقة يفقد هذا النوع من البشر القدرة على
الاستقلالية ويصيب زوجته بالجنون والأذى النفسي والعاطفي.
صفوت القول أن هذا الفصل هو محاولة لرصد أهم ملامح الألعاب النفسية التي قد تكون داخل
عالم التواصل الذي نقوم بها لهذا نحن في حاجة إلى تغيير الكثير من الأفعال
والسلوكيات التي قد تساعدنا في هذا الأمر.
ذ.أيوب الوكيلي