كلننا نعرف أن اللغة هي أقوى أداة لدينا، لأننا بدونها سنجد أنفسنا نعيش
في حالة من التشوش العاطفي. لقد أعطانا دماغنا الإمكانية للتواصل بطرق استثنائية، ويمكن للطريقة التي
نختار بها كلماتنا أن تحسن الوظيفة العصبية للدماغ. والواقع أنه يمكن لكلمة
واحدة أن تؤثر على تعبير الجينات التي تنظم الإجهاد الفيزيائي والعاطفي. حيث تشكل
اللغة تصرفاتنا، وكل كلمة نستخدمها تصبغ بطبقات وطبقات من المعنى الشخصي.
يمكن للكلمات المناسبة، المعبر عنها بطريقة لائقة، أن تجلب لنا الحب والمال،
بينما يمكن للكلمات غير المناسبة، أو حتى الكلمات المناسبة المعبر عنها بطريقة غير
لائقة - أن تقود دولة إلى الحرب.
بالرغم من أن هبة اللغة قد ولدت معنا، إلا أن الأبحاث تظهر أننا، وبصورة تثير
الدهشة، نفتقد إلى المهارة عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع الآخرين. فنحن غالبا ما
نختار كلماتنا من دون تفكير، غافلين عن التأثيرات العاطفية التي يمكن أن تكون لهذه
الكلمات على الآخرين، لهذا نحتاج الحذر من الكلمات التي نقولها أثناء التواصل
ونختارها بعناية بالغة حتى لا نسبب الدى لأنفينا والناس من حولنا.
اسمع أكثر مما تتكلم:
نحن نتكلم أكثر مما ينبغي، ولا تحسن الاستماع، من دون حتى أن ندرك ذلك، وغالبا
ما نعجز عن الانتباه إلى المعاني الدقيقة التي تنقلها التعابير الوجهية، وايماءات
الجسد، ونبرة وإيقاع صوتنا؛ عناصر التواصل التي هي في الغالب أكثر أهمية من
الكلمات التي نقولها فعليا.
وهذه العناصر يمكن جردها على الشكل التالي:
1- التواصل العاطفي
2-شجع الصمت الداخلي.
3- زد الإيجابية
4-تأمل قيمك الأعمق
5-حاول الوصول إلى ذكرى سارة
6- راقب التلميحات غير اللفظية
7- أظهر التقدير والاحترام
8- تكلم بحرارة واحترام
9- تكلم ببطء
10. تكلم بإيجاز
11. استمع بعمق
إذن تأثير الكلمة يبدو أنه أكبر وأعمق وأكثر
فاعلية مما نظن ونحسب، للكلمة قوة في مشاعر الإنسان وتوجه قدراته وإمكاناته، لهذا
فإن حياتنا ليست من صنع أفكارنا بل أيضاً من صنع كلماتنا.
التواصل مع الذات الداخلي:
نتحدث مع أنفسنا دون انقطاع، لكن السؤال
الذي يفرض نفسه، ما هي طبيعة الحوار الذي نقيمه مع هذه الذات، فالقول الطيب يريح
النفس ويدخلها في نوع من الراحة والاستقرار، حين نواجه موقفا شخصيا كيفما كان،
فإننا نعود إلى الذات بمجموعة من الصفات والأقوال الداخلية، التي تحتاج منا أن
نكون حذرين تجاه ما نقوله لأنفسنا.
إذا حدث لك موقف سلبي أو عدواني فكن حذرا من
الكلمات التي تقولها لنفسك لأنها سوف تنعكس ماديا على صحتك النفسية والبدنية، إن
كل كلمة نقولها تحمل مشاعر ودلالات لأن الكلمة لها قوة وفعالية على
النفس البشرية، هذا الأمر تعززه الفكرة القائل بأننا نتاج لما يجول في خاطرنا من
توقعات وأفكار.
لهذا فإن الحديث مع النفس بشكل إيجابي ليس
عملية سهلة إنما تتطلب جهدا كبيرا من أجل ترويد الدماغ التلقائي الذي يميل إلى
الحوارات السلبية، وبالتالي فإن الإيجابيين مزدهرين دائماً ينظرون إلى الجانب
المشرق و الجميل في الحياة.
كيف تأثيرها الكلمات على الدماغ
في أحدث التجارب في علم الأعصاب وجد العلماء
أن الأشخاص الذين يكررون كلمة سلام لمدة طويلة ينعكس ذلك إيجابا على بناء شخصيتهم،
فتكرار هذه الكلمة عدة مرات لدقائق يومياً، توجد أثرا غير طبيعي في القضاء على
مشاعر القلق والإجهاد والخوف والحزن، وهذا ما أكد عليه عالم الأعصاب الأمريكي
الشهير جداً أندريو نيوبر غ Andrew Newberg في
كتابه اسمه Word Can Change Your Brian،" الكلمات
يمكن أن تغير دماغك".
العجيب أن المسألة لم تعد معرفية وعقلية، بل نجد تمظهرا كيميائيا لهذه الحالة، فالأشخاص الذين يتداولون الكلمات الطيبة في الحديث الداخلي، تقل لديهم نوبات القلق وتسود ليدهم حالة السكون الداخلي، لأن الدماغ يخلق مسارات عصبية عبر التعبيرات الذهنية التي تتكرر، ينتج عنها نوع من الاسترخاء والراحة النفسية.
وهذه المسارات يمكن تغيرها بأن تخلق مسارات جانبية موازية جديدة فتبدأ أنماط جديدة في التفكير وأنماط جديدة في المشاعر وفي العواطف وفي السلوك، وهذا الأمر يعرفه علماء الأعصاب باللدونة العصبية Neuroplasticity، حيث ينتقل السلوك من مستوى المزاج إلى الطبع ثم الكيان حيث يصبح جزءا داخليا منك، والمقصود باللدونة العصبية أي المرونة، الشيء الذي يعطي إمكانية لتغيير العادات السلبية التي نرجو التخلص منها إلى أخرى إيجابية.
وعلاوة على ذلك فإن التعود على الحوار
الإيجابي تجاه الأزمات والتحديات، يقلص من حجم اللوزة، amygdale المسؤولة عن الجانب
العاطفي المنتج للمخاوف والقلق، كلما كبرت تحدث مشاكل، حيث نصبح كائنات غير
منطقية، سوف نتصرف دائماً عاطفياً نفقد السيطرة على أنفسنا، ويتراجع مباشرة عمل
المخ المنطقي أو المخ العاقل، بهذا الشكل فإن قوة الدماغ المفكر تستطيع السيطرة
على منطقة الانفعال، حيث يكون الدماغ العاقل هو القائد الموجه لشخصية الفرد.
كما يوجد في الدماغ خلايا مرآتيه تنشط أثناء بناء العلاقات الاجتماعية
والتواصلية مع الناس هناك خلايا تُسمى الخلايا المرآوية Mirror neurones ومن ثم إذا ابتسمت في وجه
شخص ما تتفاعل هذه الخلايا المرآوية وتُفرِز نواقل عصبية أيضاً وهرمونات تجعلك في
حالة أقرب إلى السرور والابتسام، و حينما تغضب فإنك تشجع الخلايا على عكس نفس
الإحساس لدى الآخرين. لهذا يجب أن نتحرى الصدق في المشاعر التي نحملها
لغيرنا من الناس، فالمشاعر المزيفة يتم اكتشافها بشكل أسرع، قضية الحب المتبادل
بين الجميع مهمة، وعلى الواحد منا اختيار الكلمات التي يخاطب بها الناس بعناية
وجودة.
لهذا يجب أن ننتبه لردود الأفعال التي نقوم
بها أثناء عملية التواصل، فمن خلال ما قدمه العلماء، تبين أننا نتواصل من خلال
النماذج التلقائية التي تعودنا عليها، وبالتالي يجب أن يحضر الوعي والانتباه أثناء
عملية الحوار والتواصل، لكي نتمكن من إنجاح عملية التواصل ويكون فاعلا.
كما أنه تلعب التربية دورا أساسيا في تعزيز
هذه المهارات لدى الطفل بشكل مباشر. فالذي نشأ في أسر مهارات التواصل فيها ضعيفة
جداً، حيث يكون الأب في الأعلى لا يحترم أطفاله ولا يقدرهم إنما يركز على قيمته
الاعتبارية وفقط، في المجتمعات والاوساط الاسرية التي يغيب فيها التواصل، يكون
الشخص معطوبا على المستوى العاطفي في التعاطي مع الظواهر والمشاكل التي يسقط فيها
نتيجة لأشكال التربوية الخاطئة.
إضافة لذلك فبإمكاننا التخلص من الذكريات
السلبية يمكن تغيرها عن طريق رصد أهم المشاعر التي تحس بها أثناء تذكر الموقف،
وحاول أن تنتج رد فعل ساخر تجاه ما قمت به من أفعال. اجلس وخذ نفساً عميقاً
واستذكر هذا الحدث الأليم، فأنت دائماً تستذكره من جانبه الأليم لكن حاول الآن
بمنطق العاقل ومنطق الإنسان الذي يريد أن يزدهر إيجابياً أن تنظر إليه من الزاوية
الإيجابية وما هي الأشياء التي عززت ثقتك في نفسك تجاه هذا الموضوع.
نخلص مما سبق أن للكلمات وقع كبير على
الحالة النفسية والمزاجية لكل واحد منا، خصوصا أننا نعيش داخل مجتمع تسود فيه
مظاهر السلبية والتشاؤم في مجمل أنحاء الحياة، لهذا نحن في حاجة إلى خلق عادة
الحوار الإيجابي مع النفس ومعرفة الأساليب الماكرة التي تتحايل بها علينا من أجل
ترويض الذهن على رؤية الجزء المملوء من الكأس وليس الجزء الفارغ، فكن جميلا ترى
الوجود جميلا.