التعلم وتطوير المهارات التعلم وتطوير المهارات
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

مفهوم النظرية والتجربة المحور الأول الاشتغال على منهجية القولة نموذج تطبيقي

 

القضية الأولى: التجربة والتجريب

·      الإشتغال على قولة مرفقة بمطلب وسؤال:



يقول كويري" إن التجربة بمعنى التجربة الخام، والملاحظة العامية لم تلعب أي دور في نشأة العلم الكلاسيكي؛ اللهم إلا دور العائق. أما التجريب، - وهو المساءلة المنهجية للطبيعة - فيفترض افتراضا مسبقا اللغة التي يطرح فيها أسئلته، والحال إن العلم الكلاسيكي يسائل الطبيعة بلغة رياضية."

اشرح مضمون هذا القول، مبينا ما أساس المعرفة العلمية؟

1-مطلب الفهم (تحديد موضوع القولة وصياغة إشكالها وطرح الأسئلة الموجهة للتحليل والمناقشة)

تتأطر القولة التي بين أيدينا، ضمن المجال الإشكالي لمجزوءة المعرفة، فإذا كانت المعرفة أحد مميزات الوجود الإنساني، باعتباره وجود معرفي، ينتج أفكارا ومعارف ونظريات، يحاول من خلالها فهم علل ومبادئ وأصول الكون وغيره من الظواهر التي يدرسها.  فإن حقول المعرفة متعددة من جهة تنوعها، بل ومتفاضل من جهة قيمتها، والقولة التي بين أيدينا إنما تتناول نوعا محددا منها هو المعرفة العلمية، وتطرح إشكالية جوهرية تتعلق بدور كل من التجربة والتجريب في تأسيسها، مما يدفعنا للتساؤل: ما الذي يميز بين التجربة والتجريب؟ وأيهما أساس للمعرفة العلمية؟ وهل المعرفة العلمية مجرد معطى تجريبي واقعي أم بناء عقلي نظري؟



2مطلب التحليل: 

 تحديد أطروحة القولة وشرح مضمونها من خلال الاشتغال على مفاهيمها والعلاقة فيما بينها وكشف حجاجها، وإغنائه بما يناسب من الأدلة

يؤكد كويري على أطروحة مفادها أن التجريب أساس العلم الكلاسيكي، في حين أن التجربة شكلت عائقا أمام نشأته، وبذلك فإن هذه الأطروحة ترتكز على تمييز منهجي وتاريخي بين مفهومي التجربة والتجريب:

ويدل مفهوم التجربة L’expérience حسب القولة على التجربة الخام، أي الملاحظة العفوية والتلقائية للإنسان، مثل كل التجارب الحسية الساذجة، شأن معرفة أن الماء ساخن، لأنه يحرق، وهي أيضا، الملاحظة العامية، أي مجموع الخبرات اليومية المعتادة، بما فيها من معارف متداولة من جنس المشهورات والمقبولات، وهي بهذا المعنى،  شكلت حاجزا أمام ظهور العلم الكلاسيكي اي علم القرن 17م  وبغية  توضيح هذه النتيجة يمكننا الوقوف عند مثال من العلم الكلاسيكي، للقرن 17م،.

والذي تميز علميا ببزوغ نجم النظرية الفلكية لكوبرنيك، ومؤداها "مركزية الشمس ودوران الأرض حول نفسها وحول الشمس"، وهي نظرية واجهها خصومها بنقد "عنيف" وتم رفضها استنادا لنوعين من الأدلة:

·      النوع الأول: ويمكن تسميته بالتجربة الحسية الخام، والتي تكذب هذه النظرية؛ إذ مهما أنعمنا حواسنا، يصعب أن نتوصل إلى أن الأرض تتحرك أو أن الشمس ثابتة، فتجربتنا الحسية في هذه الحالة، مناقضة للنظرية العلمية لكوبرنيك.

·      والنوع الثاني: ويمكن نعته بالمعرفة العامية، وهي قسمين:

   1-معرفة علمية المكتسبة سابقا (نظرية بطليموس)، ومعرفة دينية مسيحية شائعة أنذاك، فقد رُفضت نظرية كوبرنيك من خلال الاستشهاد بسلطة المعرفتين السابقتي الذكر:

  2- فنظرية كوبرنيك باطلة لأنها تتعارض والمعرفة العلمية التي كانت سائدة وهي نظرية بطليموس المدعمة للتجربة الحسية، فمن حجج دعاتها على ثبات الأرض فرضية.

مثلا على هذا الكلام المنحرف : "أنه إذا كانت الأرض تتحرك حول ذاتها، فإن جسما إذا ألقيناه من أعلى سيسقط في مكان منحرف عن مركز انطلاقه، وهذا ما لا نلاحظه، فالاجسام الساقطة لا تنحرف، إذن فالارض لا تتحرك". 

      وهكذا فالنظرية الكوبرنيكية وُجهت بالرفض باسم التجربة الخام والملاحظة العامية، وهي بالحقيقة حجج تعبر عن ما أسماه كويري بالتجربة، التي كانت عائقا أمام تطور العلم، فلولا شجاعة العلماء والفلاسفة، في مواصلة الدفاع عنها، والبحث في حجج مؤكدة لها، لما ظهر شيء اسمه العلم الكلاسيكي.

·      أما مفهوم التجريب l’expérimentation :

فيشير حسب القولة إلى الممارسة المنهجية، القائمة على مُساءلة الطبيعة بلغة رياضية، ويمثل العنصر الذي ساهم في تأسيس العلم الكلاسيكي. وهكذا فمفهوم التجريب قوامه عنصرين؛ ترييض الطبيعة والعمل المنهجي المنظم ومعناهما:

Ø   التجريب ترييض للطبيعة: بمعنى الصياغة الرياضية للمعطيات العلمية الواقعية، بحيث تصاغ على نحو حسابي رمزي قابل للقياس، وتتيح القدرة على الربط بين الصياغات العديدة في معادلات يسهل معالجتها، ويمكن التحكم فيها....

Ø   ومن أمثلته في العلم الكلاسيكي نظرية كوبرنيك نفسها حول مركزية الشمس في النظام الفلكي، فهي في كتابه "عن دورات الأفلاك السماوية"، نظرية رياضية، تتميز عن نظرية بطليموس ببساطتها ودقتها في مقابل تعقيد واضطراب النظرية البطليمية، وليس لها من حجج تجريبية أو مادية تثبتها، وهو ما سيتحقق لها لاحقا مع جاليليو وكيبلر وغيرهما. 

فكانت النتيجة هي أن كل الأجسام، على اختلاف أوزانها، تسقط في نفس الوقت إذا كان هناك فراغ، ولما لم يكن بمستطاع جاليليو التحقق من هذه النتيجة (وجود فراغ) التي تحولت بدورها إلى فرضية، لانعدام الوسائل التقنية في عصره، وبقيت تجربة ذهنية لعب الخيال فيها دورا أساسيا.



التجريب ممارسة منهجية:

 بمعنى أن التجريب خطة منهجية منظمة، لها قواعد أو خطوات وهي ما عبر عنه بالمنهج التجريبي الكلاسيكي والذي اتخذ صورته الكاملة، مع الطبيب الفرنسي كلود برنار، ونجد تطبيقا له في مثال الأرانب. كما يوضح الجدول الآتي:

خطوات المنهج التجريبي (مثال تجربة الأرانب لكلود برنار)

يحكي برنار أنه ذات يوم أحضر له أحدهم أرانبا من السوق وحين وضعها بالمنضدة تبولت فلاحظ أمرا غريبا شد انتباهه:

1-   الملاحظة: لاحظ برنار أن بول الأرانب صافي وحمضي، وهذا مختلف عن البول العادي للحيوانات العاشبة (يكون مكدر اللون وغير حمضي).

Ø   تعريف الملاحظة: الملاحظة هي معاينة الظاهرة المدروسة بشكل دقيق وعميق وهي قصدية تتم بالعين المجردة أو بالأجهزة التقنية. (وقد تبدأ عفوية وصدفة، لكن لا تكون علمية إلا بشروط).  

Ø   شروطها: أن يكون الملاحظ سليما عضويا (ان كانت الملاحظة بالعين) أو أن تكون الأجهزة دقيقة وصالحة ويحسن استخدامها الملاحظ (إذا كانت الملاحظة بالمجهر مثلا)

2- الفرضية: افترض برنار أن هذه الأرانب تعرضت للتجويع لمدة طويلة. فتحولت إلى حيوانات لاحمة، إذ تقتات من نسيجها الدموي لتعيش.

Ø   تعريف الفرضية: هي فكرة عقلية تخمينية يقترحها العالم انطلاقا من ملاحظته وتعتب تفسيرا مؤقتا للظاهرة المدروسة او حل للتناقض الذي طرحته الملاحظة.

Ø   شروطها: أن تكون نابعة من ملاحظة علمية، وأن تكون متماسكة منطقيا أن تكون قابلة للتحقق التجريبي يمكن صياغتها على شكل قانون

3-التجربة: قام برنار للتحقق من صحة فرضيته بالتجريب، بحيث قدم للأرانب طعاما من العشب فعاد بولها إلى طبيعته (مكدر اللون وغير حمضي)، ثم عرضها مجددا للتجويع، فاستحال بولها (صافيا وحمضيا)، ثم كرر ذلك عدة مرات وقام به أيضا مع الخيول (وهي عاشبة) قصد المقارنة فتوصل لنفس النتيجة. 

Ø   تعريف التجريب: هي عملية مصطنعة، تقوم على إعادة إنشاء ظاهرة ما في المختبر قصد التحقق من صدق الفرضية.

شروطه: قابليتها للتكرار والإعادة، سلامة المجرب والآجهزة الموظفة في إنجازها ، ضبط خطواته بكل دقة ممكنة ،  و أن يكون مسبوقا بفرضية الموضوعية في انجازه (التخلص من كل الأحكام المسبقة فهي بمثابة ملاحظة ثانية متحكم بها أكثر)

4- الاستنتاج أو القانون: استنتج برنار من خلال تجربته العلمية: إن كل الحيوانات العاشبة إذا تعرضت للتجويع لفترة طويلة فإنها تتحول إلى حيوانات لاحمة تقتات من نسيجها الدموي. (علاقة شرطية) وينبني هذا الاستنتاج على استدلال استقرائي (من الجزء إلى الكل) صيغته المنطقية: (التجربة وتكرارها مع الخيول، إثبات لهذه النتيجة ومعيار صحتها)

Ø   تعريف القانون: هو تعبير منطقي عن حل وتفسير للظاهرة المدرسة، وهو ما ثبت صوابه من خلال نتائج التجربة العلمية.  ويعبر عن قضية عامة تتضمن علاقة ثابتة بين ظاهرتين أو أكثر (السبب والتيجة).

Ø   شروطه: أن يكون نتاج للتجريب العلمي، قابل للتعميم يفسر اكبر قدر من الظواهر

يمكن صياغته رياضيا

تأسيسا على سبق، يتبين لنا أن العلاقة بين التجربة والتجريب في صلتهما بالعلم الكلاسيكي للقرن 17م، حسب القولة علاقة تعارض، فأولهما شكل عائقا أمام نشأته، وثانيهما مثل ركيزة نشأة هذا العلم.

3-مطلب المناقشة: مناقشة أطروحة القولة من حيث قيمتها حدودها في ضوء الإنفتاح على أطروحات أخرى تفتح أفق النقاش حول موضوعها مع استحضار السؤال المرفق بها

ونستنتج  مما سبق أن لمفهوم التجربة دلالتين:

Ø   الأولى عامة: وتفيد مجموع الخبرات والمعارف التي يكونها الإنسان في علاقته المباشرة بالواقع، أو تجربة الفرد في الحياة أو تجربة الصانع في حرفته، أي لتراكم المعارف أو القدرات والمهارات.

Ø   والثانية خاصة: وتدل حصرا على التجريب العلمي أي عملية إعادة إنشاء ظاهرة ما  في المختبر قصد التحقق من صدق فرضية أو نظرية علمية ما. فهي واقعة مصطنعة داخل المختبر بغية ضبط دقة الملاحظات، لتأسيس فرضية علمية قابلة للاختبار.

Ø   ، ولمعاودته، على نحو يسوغ صياغتها (تلك الفرضية أو النظرية) قانونا موضوعيا، يفسرالظاهرة المدروسة.

وهكذا فالمعرفة العلمية تتأسس من منظور صاحب القولة على التجريب، وتبنى من خلال خطوات المنهج التجريبي، مثلما ظهرت صورتها الكلاسيكية المكتملة، عند كلود برنار،  حيث يتركز هذا المنهج على أربع خطوات أساسية تنطلق من الملاحظة الدقيقة والمحايدة ثم يتلوها وضع فرضية، التي تعتبر تفسيرا مؤقتا للظاهرة المدروسة بعد ذلك يتم التأكد من صدقها تجريبيا بالمختبر، وذلك بغي الوصول إلى قانون عام يعتبر تفسيرا علميا دقيقا للظاهرة، ويمكن تعميمه على كل الظواهر المماثلة لها. وهي خطوات تلخصها عبارة برنار "الحادث يوحي بالفكرة، والفكرة تقود إلى التجربة، وتوجهها، والتجربة تحكم بدورها على الفكرة."[1]

ولقد شكل المنهج التجريبي بخطواته السابقة الذكر، ثورة منهجية في تاريخ العلم، إذ جعل المعرفة العلمية تقوم على الواقع وتتأسس على التجربة في منطلقها ومنتهاها وفي ذلك القيمة الايجابية لأطروحة القولة التي تدافع عن التجريب باعتباره أساس المعرفة العلمية.

Ø   تحديد حدود قيمة أطروحة المنهج التجريبي:

بيد أن هذا المنهج التجريبي عرف حدودا لصلاحيته العلمية، وخاصة مع التطورات الكبيرة في مجال الفيزياء الميكروسكبية (فيزياء الذرة ومكوناتها) في القرن العشرين، بحيث أن موضوعات الميكرو- فيزياء، يصعب دراستها وفق خطوات المنهج التجريبي.

ولنأخذ مثال مشكلة الإلكترون (هو عنصر مكون للذرة يحمل شحنة سلبية في مقابل البروتون حامل الشحنة الإيجابية)، فدراسة ظاهرة الالكترون من حيث موقعه (مكانه)، وسرعته (زمانه)، تبين محدودية خطوات المنهج التجريبي:

فعلى مستوى الملاحظة مثلا: تبين للفيزيائيين صعوبتها فالالكترون دقيق جدا ويصعب ملاحظته حتى بالمجهر الذري، غير أن العلماء استطاعوا التأكد من وجوده، بل حددوا كتلته وشحنته عن طريق فعاليته وتأثيره.

 وهكذا أصبحت الملاحظة العلمية غير مباشرة، فهي ملاحظة للآثر والصورة، وليس للظاهرة، وغير موضوعية لأن دراسة الالكترون تتطلب تسليط شعاع ضوئي عليه وهو ما يؤثر عليه، فالملاحظة ليست محايدة بل نجد تدخلا لذات الباحث فيها وهو ما تعبر عنه قوة الشعاع الضوئي التي تصبح جزء من الواقع الملاحظ، وهكذا فالملاحظ لا يلاحظ الواقع كما هو، بل يلاحظ واقعا مصطنعا.

وعلى مستوى التجريب أيضا: تبين للفيزيائيين أنه يصعب إعادة إنشاء نفس الظاهرة في المختبر (حركة الإلكترون) بتوفير نفس الشروط، لأن الشروط تتغير، ولا يمكن تكرارها، فدراسة "موقع" الالكترون صعبة جدا، لأنه لا يدور في مجال واحد محدد بالضبط، بل له أكثر من مدار، وتعدد مداراته يؤثر على كتلته، مثلما يصعب تحديد "موقع" و"سرعة" الالكترون في نفس الوقت، فكلما اقتربنا من تحديد أحدهما ضاع منا تحديد الآخر.

         وهكذا فإن الإكتشافات الجديدة في مجال الفيزياء أفقدت المنهج التجريبي الكلاسيكي بريقه، إذ لم يعد مرجعا لإختبار صدق الفرضيات أو النظريات العلمية مما طرح التساؤل: إذا كانت التجربة الواقعية غير كافية لتفسير الواقع، فما البديل؟

مقاربة ورؤية الفيلسوف روني توم:

         في سياق الإجابة عن هذا التساؤل قدم الفيلسوف روني توم، تصورا نقديا للمنهج التجريبي الكلاسيكي باعتباره مفهوم متناقض، وبالمقابل يدعو إلى اعتماد مفهوم الفعالية التجريبية والتي تقوم على خطوات مضبوطة ومرنة (غير صارمة)، ويقول: «ان التجريب وحده عاجز عن اكتشاف أسباب ظاهرة ما ففي جميع الأحوال ينبغي إكمال الواقع بالخيال، وهذه القفزة نحو الخيال هي أساسا عملية ذهنية أو تجربة ذهنية"

وبناء على ما سبق، فإن العلم لا يحتاج دائما لإجراء تجاربه على مستوى المختبر، كما أن الواقعة التجريبية، ليست وحدها معيار للمعرفة العلمية، فلا يمكن للتجريب العلمي أن يستغني عن التفكير، وعن العقل باعتباره أداة مساهمة لا فقط في التعبير عن نتائج التجربة، بل وأيضا في إكتشاف ظواهر طبيعية.

ومن الأمثلة القوية على قوة التجربة الذهنية (وهي ابداع عقلي يقوم على المنهج الفرضي – الاستنباطي، المدعم بالصياغة الرياضية الدقيقة)، مثال اكتشاف كوكب نبتون من خلال قياس تأثيره في حركة الكوكب المجاور له أورانوس، قياسا رياضيا، وضع له إحداثيات محتملة سيتم لاحقا، وفقا لها توجيه التلسكوب نحوه، ليتم التأكد من وجوده الفعلي. وبذلك فكوكب نبتون، اكتشف رياضيا، قبل اكتشافه تجريبيا، بل ان الحساب الرياضي العقلي هو ما وجه الاكتشاف التجريبي عبر التلسكوب.

وهذا المثال يؤكد أن الافتراض الخيالي (أو التجربة الذهنية) المضبوط نظريا، يمكن أن يكون وسيلة لا غنى عنها للعالم أثناء تقدمه في بحثه. مثلما تؤكد أن التجريب وحده ليس كافيا، في تأسيس المعرفة العلمية وأن صلاحيته تظل محدودة بحدود إمكانه، فإذا كان ضروريا في مجال البيولوجيا، باعتبار أن ظواهرها يمكن ملاحظتها فهو غير فعال في مجال الميكروفيزياء، حيث تتميز ظواهرها بما لا يحيط به المنهج التجريبي في صورته الكلاسيكية بالنظر للصعوبات والعوائق التي تواجهه.    

4-مطلب التركيب: صياغة نتائج التحليل والمناقشة وإبداء رأي شخصي مدعم حول موضوع النقاش

 

خلاصة القول إن المعرفة العلمية أساسها التجريب لا التجربة. وبذلك فالمعرفة العلمية ليست تجميعا لملاحظات متناثرة، ولا تركيبا لأفكار واستنتاجات مبعثرة، بل هي بناء منهجي منظم وصارم ينطق من خطوات مضبوطة هي خطوات المنهج التجريبي (كما عبر عنها كلود برنار)، بغية تأسيس حقائق دقيقة تفسر ظواهر الطبيعة، وتعبر عنها في صيغ راضية متماسكة (فالتجريب أساسه لغة رياضية حسب صاحب القولة كويري)، وهي معرفة مرنة من جهة أخرى، إذ تختلف من مجال إلى آخر ما يجعل من الممارسة العلمية فعالية نشطة منفتحة على الواقع والخيال. (مثلما بين روني توم).

 وهكذا نخلص للقول إن التجربة بمعناها العلمي: قد تتخذ شكلا مخبريا فتكون إعادة إنشاء لظاهرة ما، قصد التحقق من صدق الفرضية المفسرة لها، لصياغتها قانونا تفسيريا قابل للتحقق التجريبي. مثلما يمكن أن تتخذ صورة تجربة ذهنية أو خيالية، تحفظ الجهد وتفتح أفاق التساؤل والاكتشاف المنضبط بالقواعد الرياضية في دراسة نسبة إحتمالات صحتها أو صلاحيتها.

والتجربة العلمية بمعنييها: المخبري، والخيالي / الذهني، تظل في تعارض مع التجربة العامية التي تحكمها الآراء والإنطباعات الذاتية، والمعتقدات الشائعة، والتي لا علاقة لها بالمعرفية العلمية.

ولعلنا نفهم هذا الانفصال بين "المعرفة" أو التجربة العامية والمعرفة العلمية التجريبية، بالنظر لتصور العالم وتصور الإنسان العامي لظاهرة ما، ولنأخذ مرض الصرع نموذجا: فهو من منظور عامي مس شيطاني لقوى لا مرئية، وهو من منظور طبي خلل عصبي، يمكن التقليل من حدته بمسكنات معينة أو علاج بعض حالاته. فشتان بين نظرة علاجية، أساسها منهج مضبوط في التشخيص والتحليل والنتائج، ونظرة تزيد المرض العضوي، مرضا نفسيا، إذ أساسها معتقدات روائية يمتزج فيها الخرافي بالديني



[1]) مقتبس من كتاب، الفلسفة والفكر الاسلامي، دروس البكالوريا، سنة 1984م – المغرب -  ص 343

عن الكاتب

ayoub loukili
';
';

اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

التعلم وتطوير المهارات