هجوم التكنولوجيا.. هل نشعر بالضياع بدون هاتفك؟
hr 1em;">

الهواتف الذكية تشتت انتباهنا
توجد دراسات
علمية تؤكد أنه عندما نلتقط صورة أو نسجل فيديو للحظة ما بقصد مشاركتها، فمن
المرجح أن نتذكر اللحظة بالطريقة التي تظهر في الصورة أو التسجيل وليس كما عشناها،
بمعنى أننا ننظر إلى حياتنا من الخارج.
هنا سوف تصبح
ذاكرتنا وتجاربنا العاطفية والوجدانية والحياتية، نتذكرها من خلال الهواتف الذكية
بدل أن تكون في الحياة الواقعية، باعتبارها أساس العلاقات الإنسانية الفاعلة
والناجحة.
لذا يجب أن نعرف أن الذاكرة ليس شيء ثابت بل إنها تنموا مع الوقت، مثل العضلات لهذا نحتاج تدريبها من أجل تعلم أشياء جديدة والتعود عليها في الحياة. فهل تحفظ، عزيزي القارئ، أرقام الهواتف المخزنة على هاتفك عن ظهر قلب؟ وهل يمكنك أن تجد طريقك بدون هاتف محمول؟ حاول أن تجرب هذا!
هل نمط الحياة الرقمية اليوم يفقدنا القدرة على التركيز؟
وأنت تقرأ هذا
المقال فإن الهاتف أو الحاسوب قد تصل إليه رسائل مختلفة، فقد تترك هذا المقال
وتذهب إلى تصفح أشياء أخرى، قد لا تكون مهمة أثناء قيامك بالعمل، والسبب هو الجانب
الخداعي الذي تصنعه الشركات الكبرى لأنها تعرف حاجات الدماغ وتغديها. بالطبع لن
نلومك ونلقي عليك تهمًا باطلة، لأنّ جميع ما يحدث لنا من تشتيت وسلب للتركيز
يترتّب على لعنة الحياة الحديثة ووطأتها.
مفهوم التشتت الذهني
يمكننا القول
ببساطة إنّ التشتت الذهني هو تحوّل الانتباه لا إراديًا من مهامّ وأفكار أساسيّة
إلى أنشطة ومهام أخرى ليس لها أيّ صلة باللحظة الحالية، أو بعبارة أخرى، تشتيت
الانتباه بعيدًا عمّا نريد القيام به، سواء كان ذلك لإنجاز مهمة بسيطة أو معقدة في
المنزل أو العمل.
بهذا المعنى
نفقد القدرة على التكريز على أشياء أساسية ومهمة لمدة طويلة، وهذا ما يسبب لنا
تشتت الانتباه، ومن بين عوامل التي تعزز شتت الانتباه الأصوات المزعجة أو بيئة
العمل الفوضويّة، بالإضافة إلى تأثير العوامل الداخلية كحالات القلق وفرط التفكير
الذي لا يستطيع الشخص إيقافه أو التحكّم به.
سيطرة قيود المحفزات الداخلية
من أجل إدراك
معنى ودلالة سلوك تشتت الانتباه نحتاج فهم السلوك الذي يدفعك إلى إلقاء نظرة قهرية
على هاتفك أو مقاطعة تركيزك لقراءة أحدث رسائل البريد الإلكتروني المتتالية.
يكمن السبب الأساسي لهذا الفعل في الرغبة بالهروب من المشاعر السلبية، حتّى
عندما نعتقد أنّنا نبحث عن المتعة، فنحن في الواقع مدفوعون بالحاجة إلى تحرير
أنفسنا من ألم الرغبة. وعليه فإن الإفراط في استخدام ألعاب الفيديو ووسائل التواصل
الاجتماعي وهواتفنا المحمولة ليس فقط من أجل المتعة التي تقدّمها لنا، بل إنها
تحررنا من ضغوط الحياة، تدفع أدمغتنا إلى تحفيز هرمونات الراحة والمتعة.
تعدد مصادر التشتت الخارجية
تستخدم شركات
التكنولوجيا محفزات خارجية لاختراق انتباهنا، ولعل الأصوات الصادرة من أجهزتنا
التي تنجح بسهولة في الدخول إلى عالم الإدمان الرقمي، من أجل مكافأتنا بتلك النشوة
التي تحاكي تأثير جرعة المخدرات. قد نحاول تجاهل هذه المحفزات ونعمل بجد على ذلك،
لكن للأسف ما أظهرته الأبحاث مؤخرا هو أن تجاهلك لمكالمة أو رسالة ما يمكن أن يكون
مشتّتًا للعقل تمامًا مثل مقاطعة تركيزك للرد على أحدهم.
الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي
من أهم العوامل
التي تعزز تشتت الانتباه وقلت التركيز لدى الأطفال والشباب وحتى الكبار بعض الأحيان،
هي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم تصميم مواقع تويتر وإنستغرام و لإرسال
إشعارات خارجية لا حصر لها، فهناك دائما مقطع فيديو أو تغريدة أو مقالة أو gif أو
رسالة جديدة لإلقاء نظرةٍ عليها.إضافة إلى إشعارات الفيسبوك الشيطانية بشكل خاص،
والتي تعيق المستخدمين عن أداء مهامهم بنجاح عن طريق إغرائهم باستخدامها.
كلنا نستطيع
العمل لمدة طويلة ما بين 8 وعشر ساعات من العمل دون الإحساس بالملل، وتشتت
الانتباه، لكن النظام الاقتصادي العالمي اليوم، يتأسس على اقتصاد المعرفة، الذي
يهدف إلى التحكم في وقت الناس من أجل جني الأرباح والأموال. وما مصير شركتي Netflix
و YouTube ؟ ربّما لن يكون الأمر على
ما يرام.
نزعة المقارنة مع حياة الآخرين
في حين أنّ هناك
العديد من مصادر التشتيت في العالم الحديث، إلا أنّ أكبر مصدرٍ للتعاسة والتشتيت
في حياتنا هو التركيز على ما يحدث في حياة الآخرين.
كل يوم نتابع
الحياة الخاصة للكثير من المشاهير الشيء الذي يغذي لدينا الإحساس بالإحباط في كثير
من الأحيان بسبب العجز وعدم القدرة على مواكبة الناس ومجاراتهم في نفس الطموحات
والأحلام.
لأن عندما نركر على أفعال وأقوال الناس من حولنا، فإننا نضيع وقتًا ثمينًا في
توطيد مشاعر الكره والغيرة والأحقاد.
هذا النوع من المقارنة
يدمر الدافعية للعمل والانجاز، ويخلق حالة من الالهاء العام والعجز عن مواجهة
الظروف والصعوبات في الحياة. عندما نتجنّب هذا الإلهاء اليوميّ الحاصل، من المرجّح
أن نتّخذ خياراتٍ حكيمة وقرارات عمليّة صائبة مع ضمان تواصلنا مع الآخرين بطريقة
صحيّة.
تخبّط الإنتاجية وسط غمامة الإحباط
من الأشياء
الجوهرية في الكيان الإنساني الرغبة في الإنجاز، لكن مع تطوّر الحياة الجديدة
وأدواتها، باتت تحمل لنا تحديات لا تعد ولا تحصى مع إشراقة كل يومٍ جديد لتحقيق
الإنتاجية المطلوبة. حيث إن الأدوات الحديثة ذاتها التي نستخدمها لمحاولة أن نكون
منتجين قد غيرت من طريقة تفكيرنا وعملنا.
رغم رغبتنا
الملحة في الإنجاز فإن الزمن يمر بسرعة بسبب الملاهي التي تنتجها التكنولوجيا، وسط
تقهقر التركيز المطلوب للإبداع في حياتنا المهنية والشخصية. كلما استسلمنا
للمغريات من حولنا، زاد تأثيرها على عملنا وأضعنا بوصلة المسار الصحيح.ف
خطوات عملية من أجل تقليص حالة تشتت الانتباه.
1-تجهيز بيئة العمل المناسبة
البحث عن أماكن
هادئة ومنعزل من أجل الإنجاز والعمل في بيئة تحافظ على الهدوء والتركيز، إذا لم
تستطع توفير مكانٍ منعزل لمتابعة ما بدأت به، سيتوجّب عليك العمل خلال الأوقات
الهادئة من اليوم، أي ضمن فترة الصباح الباكر أو الساعات المتأخرة من الليل.
2-التحكّم بوقتك على الإنترنت
وجودنا الدائم في عالم النت، قد يكون
مصدر شقاء علينا، لأن المحتويات المغرية كثيرة الشيء الذي يرحمنا من التركيز
والانجاز، وفي حال كان عملك يتطلب الإنترنت، قم بتنزيل ما تحتاج إليه قبل البدء
بالعمل أو إضافة خدمة حجب المواقع الملهية خلال ساعات العمل مثل فيسبوك ويوتيوب أو
أي مواقع أخرى تريد حجبها.
لأنه أثناء العمل يجب أن نتعود على التركيز
لمدة طويلة حتى يستطيع دماغنا صناعة
وإنتاج مسارات جديدة تساعدنا في تعزيز حالة التدفق الدهني والتركيز.
ثمّ خصّص ساعة أو ساعتين للتركيز على مهامك دون
الاتّصال بالإنترنت. بعد انتهاء فترة التركيز يمكنك إعادة الاتصال بالإنترنت لمدّة
نصف ساعة لفتح أيّ مصادر جديدة تحتاجها قبل أن تعاود قطع الاتصال والعمل دون
إنترنت مجدّدًا.
3-إنشاء جدولٍ زمنيّ خاصّ بك
تكمن الطريقة الأكثر فاعلية لضمان
تخصيص الوقت المناسب لجميع مهامّك وواجباتك من خلال اعتماد المربعات الزمنية أو ما
يسمّى بال Timeboxing، أي تحديد ما ستفعله ومتى ستفعله. والهدف من
ذلك هو إنشاء نموذجٍ لكيفية قضاء وقتك كلّ يوم مع التخلّص من كلّ المساحات البيضاء
الفارغة في التقويم الخاصّ بك.
لا يهمّ ما تفعله الآن طالما أنّه على
قائمة الجدولة المخطّط لها، أي بإمكانك فتح مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ضمن
الوقت الذي خصّصته لها، وليس على حساب أنشطةٍ أخرى كنت تخطّط للقيام بها مثل قضاء
الوقت مع عائلتك. من خلال الجدول الزمني الخاصّ بك يمكنك تحديد مقدار الوقت الذي
تريد تخصيصه لكلّ مجال من مجالات حياتك.