حكمة حول الغضب .....لماذا نغضب؟
أول إجراء ينصحني به سینیکا (فیلسوف رواقي
روماني) أن أطرح على نفسي السؤال التالي: لماذا غضبت؟ هل غضبي ناجم عم وقع أم إنه
ناجم عن تأويلي الخاص لما وقع؟ ما أثار غضبي جاء من الواقع الخارجي الذي أريده أن
يأتي وفق توقعاتي؟
هذا السؤال أول شيء يفعل يغير وجهة نظرنا للأشياء
والحياة من حولنا، مثل هذه الرؤى في الحياة، يمكن أن تقلص عنا حجم المعاناة التي
نعيشها في هذا الزمان الصعب. يجب أن تكون توقعاتنا مسايرة للقدر. لا يجب أن ندخل
في حالة قلق أو خوف تجاه الأشياء التي لا دخلنا باختيارها والتحكم فيها.
أما عالمي الداخلي أفكاري تصوراتي، يفترض أني
السيد المطلق له، فإنه مكان أتمتع فيه بحرية الاختيار وصنع ما أرغب به. وعندما
أتغاضى عنه أو أسلمه بدوري التوقعات الآخرين، فإنني أضيع ذاتي التي يفترض أني
مالكها، دون أن تكون لي القدرة على التحكم بالقدر وما يحوط به.
و انطلاقا من رؤية سينيكا أستطيع أن أفهم تجربة الغضب على النحو التالي:
غضبي على الآخرين ناجم عن اعتقادي بأن الآخرين يجب أن يتصرفوا وفق توقعاتي، وقد عرف
أفلاطون
الطاغية بأنه شخص لا يحكم نفسه ويريد أن يحكم الناس، شخص لا يتحكم في انفعالاته
الداخلية ويريد أن يتحكم في العالم من حوله.
لهذا ينبع شقاؤه المزمن، والذي سرعان ما يفيض شقاء على محيطه. بهذا المعنى يكون الطغيان مجرّد عَرَض سياسي لمرض وجودي يعتور الكينونة نفسها مرض انفلات الذات وخروجها عن السيطرة.
في هذا السياق يقول Epictète "إذا
أردت أن يحيا أبناؤك وزوجتك وأصدقاؤك دائما، فأنت مجنون. لأنك تريد من الأمور التي
ليست في متناولك أن تصبح في متناولك، ويصير ما هو لغيرك في ملكيتك.. هل تريد ألّا
تكون مُحْبَطَاً في رغباتك؟ يمكنك ذلك: لا ترغب سوى فيما هو في متناولك. إن السيد
الحقيقي بيننا هو ذاك الذي يستطيع أن يمنحنا أو يحرمنا مما نريده أو مما لا نريده
فإن شاء الإنسان إذن حرا عليه ألا يصبح يريد أو عليه أن يتجنب كل ما ينتمي إلى
الغير .... تذكر أن عليك أن تسلك في هذه الحياة كما لو كنت في وليمة: هل قدم لك
صحن ما؟ عليك أن تمد يدك نحوه باحتشام أن و برفق. هل انتزع منك الصحن؟ لا تحاول إبقاءه.
هل الصحن لم يصل بعد؟ لا تطلق العنان لرغبتك، بل انتظر حتى يصل الصحن إلى محاذاتك.
هكذا يلزم أن تتصرف مع أبنائك ومع زوجتك، في حالات التكليف أو الكرامة، وفي مجال
الثروات.
Epictète, maximes VII, XIV, XV, Trad. R. Letoquart, Coll.
"Profil", Hatier, 1988.
هل توجد وصفة سحرية للسعادة؟
لا يوجد تأثيث للعالم الخارجي يحقق لي السعادة. لا يمكنني أن أقول، لو
كان لي بيت يطل على هذا البحر أو ذاك لكنت سعيدًا. لأني بعد مرور الأيام على نفس
الإطلالة الجميلة على نفس البحر الجميل سيخفّ ذلك الشغف، لأننا معشر البشر نمل
بسرعة من كل شيء.
إذا لا يمكننا التلاعب بنظام الأشياء، فهذا عبث مدمّر في النهاية، لكن
نستطيع تنظيم نظرتنا لما يحدث حولنا، في كل الظروف، وكيفما كانت المعطيات الخارجية،
لأنه توجد حكمة تقول "لا تسوء الأشياء لكن تسوء أفكارنا حول الأشياء."
لذلك
السبب نقول الحكيم من يحكم نفسه.
ثم إن الفيلسوف الفرنسي ألان يقول في
إحدى (خواطر): "لا نملك، سوى الحاضر، أما الماضي والمستقبل فلا وجود لهما إلا
حين نفكر فيهما، إنهما آراء، وليسا وقائع". ما يعني أن مشكلة الماضي
والمستقبل هي تحديدًا مشكلة كيفية التفكير في الماضي، وكيفية التفكير في المستقبل.