يقول المثل العقل السليم في الجسم السليم، وقالت العرب قديما البطنة تذهب
الفطمة، لكن لأسباب كثيرة ساد لمدة طويلة أن الاعتناء بالجسد ليس مسألة مهمة إنما
الأساسي هو الفكر، غير أن هذا الكلام تهافت مع الوقت. لأن من لا يهتم بصحته و يدخن بشراهة أو يطيل الجلوس
في الأماكن المغلقة، لا يعتني بإيقاع
النوم (قد يعاني من الأرق أو النوم)، لا يكترث بالرياضة أو المشي قد يجد نفسه في
أحد الأيام عاجزا عن فعل أبسط الأشياء في الحياة اليومية.
عن أي شعور بالحياة سوف يكون دون الاهتمام بالجسد. وبالتالي فإن من يفقد إحساسه بالحياة، وتلمسه
لمتعها وملذاتها، يفقد الحياة. لأن التفكير لا يحتاج العمق فقط فإنه في حاجة إلى
الاحساس والتذوق حتى يكون جميلا، لذلك، يحتاج المرء إلى نزاهة نيتشه
لكي يقول، «إنني بأسري جسد لا غير (...) هذا الجسد لا يتبجح بكلمة أنا لأنه هو أنا
بالفعل» (هكذا تكلم زارادشت).
الاعتناء بالصحة الجسدية يعد العامل الأساسي في استمرارية حياة أقل
تعاسة، لأن الصحة تعني الإنسان على مواجهة صعوبات الحياة الأخرى، أما إذا اجتمع
المرض وأهوال الحياة، فإن الانسان يفقد البوصلة في مواجهة الحياة. كما قال نتيشه «وحدها
الأفكار التي تأتينا ونحن ماشون لها قيمة ما» (أفول الأصنام).
إننا نفكر بواسطة أجسادنا؛ ليس فقط لأن العقل يقيم حصرا داخل حدود
الجسد، وإنما لأن العقل والجسد شيء واحد، وهذا ما تؤكد الأبحاث والعلوم لأن :
«البطن دماغنا الثاني». وبالفعل، فالكثير من التأثيرات الصحيّة على الدماغ تتم
داخل منطقة البطن أو تأتي منها. الجهاز الهضمي غير مستقل عن النشاط العقلي، بل
يظل عنصرًا متواطئًا سلبًا أو إيجابًا.
وهذا المعنى يكون نيتشه قد تجاوز ومسح خطيئة ديكارت القائمة على الفصل
بين الفكر والجسد. لكن الخطيئة لها جذور أفلاطونية. وإذا كان العقل هو أداة التحكم
في الانفعالات والحد من تأثيرها أثناء اتخاذ القرارات وإصدار الأحكام، فإن الجسد
يلعب دور المعين في تطوير روح الفكر والبعد والجودي الإنساني.
أفلاطون التربية البدية:
ليس من باب المصادفة أن يركز أفلاطون على أهمية التربية البدنية خلال
سنوات التعليم الأساسي، فضلا عن الموسيقى والرقص إذا بشكل عام ثمة اليوم اتفاق على
أننا نفكر بأجسادنا. لذلك نفهم كيف كان نيتشه يلح على مسائل النظام الغذائي،
والرياضة، والمشي، والرشاقة،والهواء المناسب.
إذن
فإن أسلوب تفكيرنا ثمرة كل الخبرات التي تتعرض لها أجسادنا في الحياة اليومية، من
خبرات حسّية وحركية وغذائية ونفسية وعصبية وتواصلية ....لهذا لا يوجد عقل مقابل
الجسد، لا يوجد جسد مقابل العقل، بل جسدك هو عقلك. هنا ندرك أن الفلسفة لم تهمل
الجسد إنما رؤيتنا للحياة بالمعنى التقليدي هي التي كانت عائق أمام تحقيق سعادة
الجسد.
لأنه وما جدوى التفكير إن لم ينفعنا في أسوأ الظروف!؟ لأن العقل
هو أداة التحكّم في الانفعالات التي يفرزها الجسم وتعيق التفكير، غير أن العقل
بالتعريف هو الجهد الحسي نفسه الذي يبذله الجسد لكي يحمي من الانفعالات الداخلية
السلبية.